الشاعر والمناضل السياسي الفلسطيني سميح القاسم لـ''الخبر''

Redaction

لومنا على حمل جواز سفر إسرائيلي سخْف قومي وجهل سياسي
الانقسام الفلسطيني شجع إسرائيل على القيام بعدوانها على غزة / يجب ملاحقة قادة إسرائيل لارتكابهم جرائم حرب

أكد الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، الذي يحب أن يوصف بالكاتب والمناضل السياسي، في حوار شامل مع  »الخبر »، أن الانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية شجّع إسرائيل على القيام بعدوانها الهمجي على غزة. واصفا القمم العربية التي عقدت أثناء العدوان، بأنها مؤتمرات الحضيض، وبأنها لا ترقى إلى مستوى حراك الشارع العربي. لكنه رفض الدعوات المطالبة بإلغاء الجامعة العربية، أو مبادرة العربية. مؤكدا أنه يجب ملاحقة قادة إسرائيل السياسيين وضباط الجيش الإسرائيلي لارتكابهم جرائم حرب ضد أطفال ونساء غزة. كما كشف عن تحضيره لإصدار عمل أدبي كبير حول حرب غزة. منهيا حواره بإرسال محبته إلى شعب الجزائر. ومتمنيا زيارتها والالتقاء بمثقفيها وأبناء شعبها، الذين كتب لهم ولثورتهم الكثير من القصائد في الخمسينيات والستينيات.

شنّت إسرائيل حربا امتدت لثلاثة أسابيع، وصفها المراقبون بالحرب المجنونة.. ما هي رؤيتكم لهذه الحرب ونتائجها على الواقع الفلسطيني؟

لم تكن هذه حربا مجنونة، كانت حربا شرسة وإجرامية، ولكن بوعي كامل ومخطط متكامل. والمخطط هو إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. وهذه الحرب أراها نهاية السياسة، كل حرب هي نهاية موقف سياسي للوصول إلى موقف سياسي آخر. هذه الحرب هي استمرارية طبيعية لمشروع جديد عبّر عنه جون بولتون، أحد أوباش عصابة جورج بوش، بمقال نشره في  »الواشنطن بوست »، يقول فيه إنه لم يعد مكان لأربع دول في المنطقة: مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل، والحل في رأيه هو ثلاث دول، من خلال ضم قطاع غزة إلى مصر، والأردن وإسرائيل تضمان الضفة الغربية. هذا المشروع ليس مشروعا أمريكيا شخصيا أو خاصا، فمنذ أيام سايكس بيكو لا توجد مشاريع فردية؛ ففي وقت كانت بريطانية وفرنسا والآن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل. وفي 1956 كانت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. يعني تتغير أطراف المعادلة ولكن المعادلة الثابتة هي مقاومة الشعب الفلسطيني والتنكر لحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

يرى الكثير من المراقبين أن الانقسام الفلسطيني كان أحد أهم الأسباب التي شجعت إسرائيل على القيام بعدوانها على غزة.. كيف ترى عواقب هذا الانقسام.. وما هي رسالتك للشعب الفلسطيني وقيادته؟

أنت نبّهتني إلى أمر هام، وهو أن الانقسام شجع حكام إسرائيل على العدوان، هذه حقيقة لا يجوز لأحد أن ينكرها… البعض يقول إن العدوان سيتم سواء كنا متفقين أو منقسمين، هذا الكلام تبسيط وتمييع لحقيقة الموقف. فكل انقسام على الساحة الفلسطينية يشجّع العدوان على الشعب وعلى الأرض. وكذلك الانقسامات العربية على الساحة العربية تشجع على اختراقات هنا أو هناك، وتشجع على تمزيق الوطن العربي وإقامة دويلات. فعلى كل بئر نفط يريدون دولة، وعلى كل منجم حديد يريدون دولة. هذا ما يريده الاستعمار والشركات الأجنبية الكبرى. ونحن للأسف الشديد، نتواطأ مع هذا المشروع الشيطاني وكأننا نسهم في تنفيذه. ومن هنا أيضا موقفي كان معلنا، وأكتب أسبوعيا وأتحدث مع وسائل الإعلام العربية والعالمية أيضا، حذرت منذ فترة طويلة من وقوع هذا الانقسام. وحتى في أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات زرته مع وفد في مقره في المقاطعة في رام الله، وتحدثت أمام الجميع عن أخطار الانقسام، على خلفية الصراع بين حماس وفتح.

وأنا بصراحة أرى أن هناك مشروعين على الساحة الفلسطينية، ولكن بمستطاع المشروعين؛ مشروع فتح والمنظمات القومية العلمانية، أن ينسجم مع مشروع حماس الديني والوطني. وأنا أرى أن حماس خطت خطوة جيدة بهذا الاتجاه حين قبلت بالدولة في حدود .67 وعليه أرى إمكانية وضرورة التفاهم بين الفصائل القومية والفصائل الدينية، ولا بد من هذا التفاهم، لأن الإيغال في القطيعة سيشجع في الإيغال في دمنا ولحمنا وأرضنا وتاريخنا.

عُقدت خلال العدوان ثلاث قمم عربية، لكنها لم تخرج بشيء يذكر لوقف العدوان ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته. ما هو تقييمكم للموقف العربي؟

هناك مثل شعبي عندنا يقول  »الضرب في الميت حرام ». ومؤتمرات القمة للأسف الشديد لم تعد قادرة على التحليق بمستوى الشارع، إذ تحولت إلى ما أسميته منذ سنوات طويلة مؤتمرات حضيض. القمة يمثلها الشارع العربي اليوم من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق. الوطن العربي بشارعه الحي، هو الذي عبّر على لسان الأمة وارتقى إلى مستوى وسام الأمة. ومن قبيل المناكفة الهادفة، قلت إن مؤتمر قمة الدوحة الثقافي الذي عقد قبل فترة قصيرة، والذي شارك فيه شعراء ومثقفون من مختلف أرجاء الوطن العربي، كان أقرب إلى نبض الجماهير وإلى وعي الشارع الأكثر تقدما من وعي المؤسسة الحاكمة والرسمية.

طرح العرب مبادرة للسلام في قمة بيروت عام 2002، وبعد سبعة أعوام أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت قبولها.. هل تعتقد أن المبادرة ما زالت صالحة بعد هذه الحرب؟

أولمرت لم يعلن القبول بالمبادرة العربية نصا وروحا. لديه اعتراضات معروفة.. ولكن ما أريد أن أقوله أن ردود فعلنا لا ينبغي أن تكون عشوائية وعاطفية ومعزولة عن العالم الكبير المحيط بنا. على كوكب الأرض يوجد سبعة مليارات إنسان، نحن ما يقارب مليارين كعرب وكمسلمين، ولكن يبقى هناك أغلبية بشرية نحن بحاجة للتعايش والتفاهم معها. ولذلك أنا قلت، وما زلت، ضد ردود الفعل الغريزية والعاطفية، كضرورة التخلي عن دور الجامعة العربية، ولو تخلينا عن هذا الإطار فما هو الإطار البديل؟ ألا يساعد ذلك في تعميق التفكك العربي؟ وإذا نحن قلنا على العرب أن يتخلوا عن مبادرتهم، لكن هي مبادرة فيها الكثير من الإحراج للمؤسسة السياسية الإسرائيلية والأمريكية أمام العالم.. ولذلك أنا لم أتقبل الصراخ والبكاء على الفضائيات  »اسحبوا المبادرة العربية »، أنا لم أتحمّس لهذا الطرح، لأن العمل السياسي يظل شرطا ضروريا، والمقاومة المسلحة أو المقاومة الثقافية أو السلبية وكل أشكال المقاومة تحتاج دائما إلى رديف سياسي.
فغياب البرنامج السياسي العربي ألحق بنا كوارث لا تحصى في القرن العشرين كله.. لذلك لا بأس في أن يتشبث العرب بمشروع يطرح على مائدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ودول آسيا. أن يبقى في الوجود مشروع عربي بغض النظر عن نسب نجاحه أو فشله.

ارتكب العدو جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال والنساء، واستخدم أسلحة محرمة، وتسعى مؤسسات حقوق الإنسان لإدانة إسرائيل وقادتها السياسيين والعسكريين أمام المحاكم الدولية.. ما هو رأيكم في ذلك.. وما هو دوركم لمحاسبة الإسرائيليين في الداخل أيضا؟

أعتقد غير متأكد أنني كنت أول من كتب في صحيفة  »كل العرب » في الناصرة، دعوة لتسجيل الحقائق الميدانية والتوجه إلى القضاء الدولي والقضاء الإقليمي لمتابعة جرائم الحرب التي ارتكبت ضد أهلنا في غزة، وهي جرائم كثيرة ومتعددة المستويات.. هناك جريمة تجاوز وثيقة جنيف الرابعة، وهناك جرائم القتل العمدي، وهناك جرائم العقاب الجماعي، وهناك جرائم استخدام الفوسفور والأسلحة المحرمة دوليا، وهناك منع معالجة الجرحى والتجويع، وقصف الأماكن العامة ومقرات تابعة للأمم المتحدة. يجب أن يدرس الموضوع دراسة علمية أكاديمية قانونية بتشكيل مجموعة أو مجموعات قانونية تحصي كل ما حدث، وتجري مقارنة بين ما حدث وبين القوانين المحلية والدولية. وأعتقد أنه يمكن متابعة بعض المسؤولين الإسرائيليين في إسرائيل نفسها عندنا.. حتى هنا حدث أمر كذلك في الماضي عندما تمت محاسبة شارون. المطلوب منا بالمستوى السياسي والقانوني والقضائي، يجب أن نتصرف في أسلوب علمي حضاري حثيث، وأن لا نكتفي بالصراخ.
يبدو أن الحرب على غزة كان جزء منها ضمن الحرب الانتخابية بين الأحزاب الإسرائيلية، والتي طالت الأحزاب العربية في الداخل والمطالبة بشطبها. ووصل الحد ببعض المتطرفين، مثل الوزير ليبرمان، إلى المطالبة بطرد المواطنين العرب من أراضي الـ .48 كيف ترى هذه الدعوات العنصرية ضدكم في الداخل؟
أريد أن أكون أكثر خبثا من سؤالك، وأزعم أن توقيت الحرب أخذ الانتخابات بعين الاعتبار، هذه الآلة العسكرية الرهيبة يمكن تشغيلها في أي وقت تريده الإدارة السياسية في إسرائيل، ولكن اختيار هذا الوقت بالذات كان أشبه بمهرجان انتخابي. فالحركات والأحزاب تقوم بمهرجانات انتخابية، وهذه الحرب الشريرة والبشعة كانت أشبه بمهرجان انتخابي لكاديما والعمل ومن تبعهم.

أما بشأن محاولة شطب الأحزاب العربية، فإنه لسنوات طويلة أنا كنت ناطقا بلسان لجنة الوفاق الوطني التي انبثقت عن منظمة التحرير، وكانت الدعوة الأساسية لدينا تكوين كتل قومية عربية تحفظ للعرب حقهم القانوني في التمثيل بكتل قوية وبرامج واضحة تقوم على عمودين؛ الأول هو البقاء والتجذر والمطالبة بالمساواة وبالحقوق تحت الحكم الإسرائيلي، والثاني هو الاستمرار في المعركة من أجل تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني. أما بالنسبة لليبرمان والمتطرفين اليهود من أمثاله، فالخطورة ليس في ما قاله ليبرمان، الخطورة الأكبر في أنه حتى زعيمة حزب  »كاديما » وزيرة الخارجية تسيفي ليفني، تبنت هذا الخط، وأعلنت أنه يجب على عرب إسرائيل أن يعبّروا عن طموحهم القومي في الدولة الفلسطينية. كأنها تنضم إلى مشروع  »الترانسفير »، التحويل، وهذا مشروع خطير جدا ونحن نرفضه وسنقاومه بكل الوسائل المتاحة. وأنا أدعو جميع الأطياف السياسية عندنا، للحذر من المشروع. والجنرال أهارون ياريف، قائد المخابرات الإسرائيلية قبل ما يزيد على ثلاثين عاما، كشف النقاب عن أن هناك  »مشروع أدولف » لإخلاء البلاد من أهلها العرب، وأنه ينتظر حالة حرب كبيرة لتنفيذها. وهذا الخطر ما زال قائما.. وعلينا أن نكون متيقظين وعلى إخواننا أيضا في الوطن العربي أن يتفهموا الكثير من تصرفاتنا ومواقفنا. وما زال البعض إلى اليوم يلومنا لأننا نحمل جوازات سفر إسرائيلية، وهذا سخف قومي وجهل سياسي. سنحمل كل ما يطلب منا مقابل البقاء على أرض الوطن، لأنه وطننا ولا يمكن أن نتخلى عنه للقادمين الجدد من العالم.

سؤالنا الأخير في الشعر.. هل كتب أو سيكتب الشاعر سميح القاسم قصيدة لأطفال غزة الذين تحوّلوا إلى أشلاء بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، مثلما كتب قصيدته الشهيرة لأطفال رفح في الانتفاضة الأولى؟

اسمح لي قبل كل شيء، أنا أرفض وضع حدود بين الشاعر والمناضل وبين السياسي والمفكر، أنا أصر على أن يكون الشاعر متورطا ملتزما ومتشبثا حتى لحظته الأخيرة في قضايا الشعب والوطن والإنسانية كلها. وبالنسبة لما كتبت وما سأكتب، أنا فوجئت في الحرب الأخيرة بأنني كتبت قصيدة بعنوان  »غزة » نُشرت في بيروت عام ,1972 أي قبل 36 عاما، وقصيدة غزة وكأنها كتبت اليوم. وفوجئت بقصيدة لمعين بسيسو  »رثائية » وكأنها كتبت اليوم، وقصيدة أطفال رفح قبل 22 عاما كأنها كتبت اليوم، وقصيدة  »تقدموا » في الانتفاضة الثانية كأنها كتبت اليوم، وقصيدة  »لا تعدوا العشرة » وكأنها كتبت اليوم. ولدي الآن عمل جديد كبير أرجو أن يصدر في كتاب حول كل هذه الحرب وحول كل الصراع، حول الصراع بين الإنسان الفلسطيني والمؤسسة الصهيونية، أرجو أن يصدر في كتاب قريبا جدا.. الشعر لا يستطيع إلا أن يكون نبض القلب الأول والتعبير الأول ليس على لسان الشاعر فحسب، بل على لسان الشاعر، كونه عضوا في أسرة وفردا في شعب وكائنا من إنسانية كونية.

كلمة أخيرة لقراء  »الخبر » وللشعب الجزائري؟

لدي قصائد كثيرة كتبتها عن الجزائر، كتبت للأوراس، ولثورة الجزائر، وللمليون شهيد. كانت الجزائر ملهمة الشعراء، وكانت الجزائر قبلة الثوار، وأرجو أن يتاح لي ذات يوم أن أزور الجزائر، وأن أقابل أهلي هناك لأبادلهم حبا بحب. أنا أعرف أنهم يحبونني لأنني أعرف أنني أحبهم، وتعبيرنا الشعبي يقول  »حط إيدك على قلبك، إلي تحبو يحبك ».

المصدر :حاوره: عبد القادر فارس
2009-01-27

http://www.elkhabar.com/quotidien/?ida=141512&idc=31